كانت أولى بداياتى فى الكتابة منذ حوالى عشر سنين وكانت فى مجلة كلمتنا.. وتقريبا بدأت أكتب فى المجلة من بدايتها.. ولي الفخر إنى أكون واحدة من مؤسسيها.. عشت فيها أحلى أيام حياتى واتعرفت فيها على ناس كتير قوى.. طلعت منها بخبرة كبيرة وأصحاب كانوا ومازلوا أعز أصحاب ..
لما رجعت فلاش باك تمان سنين افتكرت ذكرياتى ومغامراتى فيها.. ضحكت كتير لما افتكرت الأيام دى وإتمنيت إنها ترجع تانى..
فمن الحاجات مثلا اللى ماقدرش انساها وماكنتش أتخيل إنى ممكن أعملها فى يوم من الأيام إنى أروح (مشرحة زينهم).. وكان التحقيق الصحفى ده بينى أنا و(هيثم دبور).. وبرغم معارضة كتير من أصحابنا إننا نروح لإننا ممكن مانتحملش نشوف جثث سواء مشوهيين أو حتى جثث سليمة.. لكن إحنا صممنا نروح مش حبا فى التحقيق الصحفى ولكن حبا فى المغامرة نفسها.. ولكن لإنى كنت مش واثقة فى نفسى وفى مدى قدرتى على التحمل طلبت من هيثم إنه يلحقنى لو أغمى عليا جوة المشرحة.. فاكرة أول لما وصلنا المشرحة كنت بقدم خطوة وارجع عشرة.. مش مصدقة إنها كلها لحظات واجتمع أنا وجثة فى مكان واحد..
لما دخلت المشرحة كانت ريحة الفورمالين اللى حواليا فى كل مكان كفيلة إنها تحسسنى بالغثيان قبل حتى ما عينى تشوف أى جثة.. بعد ما انتهينا من التحقيق الصحفى مع الدكتور اللى استقبلنا بترحاب وجاوب على كل اسئلتنا من غير كلل وملل وبعد كمان ما اتكلمنا مع طبيبة كان عمرها أيامها 43 سنة وكانت شغالة فى المهنة دى من سن 18 سنة.. وكنت مستغرباها جدا إزاى بتقدر تتعامل مع جثث وإنها حابه جدا مهنتها.. واللى زاد من دهشتى ولسه فاكراه كويس، لما قالت إنها ممكن تتعامل مع جثة ببطن مفتوحة لكن صعب عليها انها تتعامل مع مريض بطنه مفتوحة..
وكانت أخر حاجة نعملها قبل ما نمشى من المشرحة إننا ننزل حيث الثلاجة والجثث.. كانت لحظة من أصعب اللحظات اللى مرت عليا فى حياتى.. بصينا برهبة للجثث التى عرضت علينا كانوا كقتلى الحروب.. وقتها طلبت من هيثم إننا نكتفى بهذا القدر ونمشى.. وبعد ما خرجنا حيث الهواء والشمس.. هيثم قال لى ما انتى جامدة أهو وماأغماش عليكى..
وفاكرة كمان لما المجلة طلبت منى اعمل حوار مع أم عمرو الخاطبة.. كنت مستغربة جدا إن فى لسه حاجة اسمها خاطبة.. كنت متخيلة إنها خلاص إندثرت ومابقاش لها لازمة مع وجود الإنفتاح والإنترنت اللى اكتسح كل بيت.. لكن فوجئت إنها مازلت موجودة ومازال لها وزنها.. كانت ست ظريفة من النوع التلقائى اللى فى قلبها على لسانها.. وكانت حابة شغلتها ووارثاها.. لكن كانت بتشتكى من البنات اللى مهما جابتلهم عرسان على الفرازة وزى ما هما عايزين لازم يطلعوا فيه العبر.. وإن البنت تدخل على العريس عاملة حواجبها فيونكات ومخنوقة قوى.. وتتكسف أم عمرو من الموقف اللى العروسة بتحط نفسها وتحطها فيه.. مانساش الموقف الطريف اللى حكته لى لما مرة والدتها كانت مريضة وكانت مواعدة عريس إنها تروح معاه تقابله بعروسة.. فطلبت منه إنه ياخدها من بيتها لبيت العروسة.. ولما وصل وشاف أم عمرو طلب إيدها من والدتها ومرضاش يروح ميعاده مع العروسة التانية.
ومن الخاطبة لشارع محمد على.. كان فى يوم عندنا اجتماع فى المجلة وكان معروض علينا كذا موضوع علشان نعملهم تحقيق صحفى.. وكل واحد اختار الموضوع اللى عجبه.. ما عدا أنا مافيش ولا فكرة منهم كانت عاجبانى.. ولما (ماجدة) رئيسة التحرير لاقتنى مش متحمسة لأى موضوع منهم قررت إنها هى اللى تختار لى وياريتها ما اختارت.. فكان نصيبى إنى أنزل معاها ومع بقية المحررين شارع محمد على.. قلت لها إنى غالبا اليوم ده بالذات هاكون تعبانة فيه..
روحنا فعلا شارع محمد على الساعة 12 ظهرا وكان يوم حر جدا والرطوبة عالية جدا.. ماكنتش طايقة نفسى وتقريبا ماتكلمتش طول اليوم.. كانت ماجدة محفظانا إننا طلبة وإنها المعيدة بتاعتنا.. وإننا بنعمل بحث عن شارع محمد على لإنه من الشوارع المهمة فى الفن الشعبى.. علشان لو قلنا إننا مجلة ممكن جدا يطلبوا مننا فلوس علشان يتكلموا معانا..
لما وصلنا تخيلنا إننا هنشوف شارع عتيق زى ما صوره عبد السلام النابلسى فى فيلم شارع الحب.. ولكنه كان شارع مختلف تماما معظمه محلات وورش.. دورنا كتير على فرقة حسب الله لحد ما لقينا واحد منهم قاعد على القهوة واتكلمنا معاه.. وعرفت وقتها انهم فعلا معروفين وبيشتغلوا كتير قوى فى افلام وكليبات.. وبعد ما انتهينا من كلامنا معاه.. حاولنا ندور على العوالم علشان نعمل معاهم حوار.. لكن فى الآخر اكتشفنا إنهم نايمين وإنها سذاجة مننا إننا ندور عليهم فى عز الظهر.. لإنهم مش بيصحوا غير على بالليل على ميعاد نمرهم.. وقبل ما نمشى لقينا ست عجوزة قاعدة حافية فى الشارع.. ماقدرش انسى منظرها وهى بتقولنا انها كانت من فنانين الشارع الكبار.. ولكن ولادها حالفين عليها انها لو اتكلمت مع حد عن ماضيها كعالمة هيقولوا عليها إنها مبرشمة ويقتلوها ومحدش يعرف لها مكان..
كان دايما بيتطلب منى تحقيقات صحفية غريبة من نوعها.. أو على الأقل أيامها كان غريب على بنت إنها تنزل تعمل التحقيقات دى بمنتهى الجرأة والثقة بالنفس مهما كانت صعبة.. فكان مطلوب منى وده بقى اللى كان موضوع غريب مريب.. إنى اعمل تحقيق جوه مستشفى المجانين.. أيوة زى ما قريتم كدة، يعنى اللى ودانى مشرحة زينهم علشان اشوف جثث يبقى سهل عليا بقى اروح اشوف مجانين.. وفعلا روحت يومها وكنت ميتة فى جلدى وأنا داخلة المكان.. كل ما امشى شوية فى ساحة المستشفى وقبل الدخول جواها أبص على الباب الحديدى اللى اتقفل ورايا.. أينعم كان معايا اتنين من المحررين الشباب (هيثم دبور وأحمد مختار).. ولكن ده مايمنعش إنى كنت خايفة على نفسى.. بس الحمدلله رفضت إدارة المستشفى إنها تساعدنا فى مهمتنا علشان ماكانش معانا تصريح.. وأنا خارجة بقى من الباب الحديدى كان إحساسى مختلف تماما وطايرة من السعادة إن المهمة لم تنجح.. ما هو مش كل مرة تسلم الجرة.
وبعيدا عن مغامراتى فى كلمتنا.. لكن مش بعيدا عن المغامرات عموما.. كنت كتير بدور على فرص عمل فى مجلات تانية.. وخصوصا لو كانت مجلة أو جريدة لسه مش معروفة علشان أكبر بيها وليها..
فى مرة روحت ادور على جريدة مجهولة الهوية فى وسط البلد.. كانت لسه حتى ما أصدرتش أول عدد لها.. وبعد حوالى نص ساعة من المشى فى عز الحر لقيت المكان.. وكان صعب الوصول إليه بسهولة لإن مفيش أى حاجة تدل على وجود جريدة فى المكان.. أما السلالم فكانت بها كميات من التراب والحشرات لا توصف وكأنه مكان مهجور.. برغم إنها من المفروض عمارة سكنية.. أما بقى لما دخلت الشقة اللى من المفروض إنها مقر الجريدة كان نفسى ألف وارجع.. كانت الشقة متر فى متر.. أول ما شافتنى السكرتيرة استقبلتنى بترحاب ملحوظ.. تقريبا كنت المغفلة الوحيدة اللى راحت لهم.. وفاكرة كويس لما قابلت رئيس التحرير كان إزاى بيبيع سمك فى مية.. ويحكى ويتحاكى إن الجريدة هتبقى لها شنة ورنة وسط الجرايد الكبيرة فى مصر وإنى اعتبر دة مكانى.. لأ، وإنى كمان هتنغنغ من شغلى معاه لكن ده طبعا مش موضوعنا علشان أنا اكيد متهمنيش الفلوس وأهم حاجة إنى أوصل وأثبت نفسى.. بعدها بكام مرة حسيت إن كله كلام فى كلام ولا فى جريدة ولا فى حاجة بس كملت برضه ... وآخر مرة روحت لقيت الشقة متشمعة بالشمع الاحمر
مع هيثم وأحمد دايما بتحلى المغامرات.. فمن أولها لأخرها ضحك وتهييس وتعليق على كل حاجة بتقابلنا فى طريقنا من ساعة ما نبدأ مشاورنا ولحد ما نخلصه.. فى مرة زف لنا أحمد خبر فى جورنال عن فرصة عمل فى جريدة مرموقة.. حاولت أنا وهيثم نقنعه إنها هاتطلع فشنك زى كل مرة.. لكن معرفش ليه يومها بالذات كانت واخداه الجلالة وإنه هو هيكون سبب فى شهرتنا وإننا مش هنخسر حاجة لو روحنا وجربنا حظنا..
كانت الجريدة المرموقة مجهولة الهوية فى حلوان.. ساعة ونص بالمترو لحد ما وصلنا شوفنا فيهم كل أنواع البشر.. ناس تروح وناس تيجى واحنا قاعدين.. ولما نزلنا من المترو كنا فى سوق أشبه بسوق الجمعة.. كنا تعبنا من قبل ما ندور على مكان الجريدة.. وكالعادة بلاد تشيلنا وبلاد تحطنا وناس مش عارفة العنوان وناس تدلنا غلط.. لحد ما وصلنا للبيت اللى المفروض فيه مقر الجريدة.. مانساش الفراخ اللى كانت هربانة من العشة الموجودة جوا المبنى واللى تفادينها بصعوبة.. لقينا ست قاعدة قدام طبلية هى اللى دلتنا على الشقة اللى فيها المجلة وقالت إنها فى الدور اللى قبل السطح.. وبعد ما وصلنا للدور الأخير مالقناش غير شقة واحدة ... وفتحت لنا واحدة شكلها غريب.. لقينا نفسنا فجأة فى شقة فظيعة مالهاش ملامح مضلمة ودهانها متآكل وحيطانها واقعة .. قعدنا على كنبة صغيرة جدا مستنين الفرج.. لقينا البنت اللى فتحت لنا بتقولنا إن اللمبة اتحرقت وإنهم اشتروا لمبة جديدة لكن هى مش عارفة تركبها.. فكان باين طبعا من كلامها إنها عايزة حد من الشباب اللى معايا يقوم بالمهمة دى عنها.. فقام أحمد واتشعبط فوق الكرسى وركب اللمبة.. شكرته البنت فى هدوء وطلبت منا بطايقنا علشان تاخد منها نسخة واننا نسيب نمر تليفوناتنا علشان تبقى تكلمنا.. لكن احنا فضلنا إننا ناخد ديلنا فى اسناننا ونهرب من المكان قبل ما تطلب مننا تنضيف الشقة بالمرة.
والله ذكريات جميلة لا تنسى.. كل ما افتكرها أحن لها
رحاب المليحي