انتظار لساعتين.. موتور سيارة يحترق.. دبلة تسقط فى مياه البحر.. زن وبكاء طوال اليوم.. انتظار فى ظلام الصحراء الكالح لثلاث ساعات.. وما عدا ذلك كانت رحلة موفقة ؟
بدأ اليوم بداية تقليدية بالنسبة لى هى الانتظار والتأخير عن بدء الرحلة فى ميعادها.. فلقد قضينا حوالى ساعتين ما بين انتظار (هدير وهيثم) والبحث عنهما .. الانتظار كان فى -التحرير- ومحاولة الوصول إلى مكانهما كانت فى -المعادى-.. وكان الشىء الوحيد الذى صبر (احمد مختار) على انتظارهما هو إن سيارته لم تكن بها المساحة الكافية لكرسى (جومى).. وعندما سأل (أحمد) (هاجر) إذا كان لديهم مكان فى سيارتها.. نفت (هاجر) تماما وجود أى مكان فى حقيبة السيارة.. ولكن بعد وصولنا إلى (هدير) فوجئنا بعدم وجود مكان فى سيارتها.. وفى النهاية دخل كرسى (جومى) فى سيارة (كريم) ... ببساطة لأن كانت حقيبة سيارته كانت خالية تماما..ولكن (هاجر) توهمت عكس ذلك.. وبدأنا الرحلة إلى العين السخنة فى حوالى الساعة الحادية عشر والنصف يوم الجمعة الموافق 09-01-30 بدلا من التاسعة والنصف.. وكالعادة كل من السيارات الثلاث كان يمشى بعيدا عن الآخر..
وكانت نغمة واحدة هى التى تعزف فى أذنى طوال الطريق وحتى قبل بدايته وهو بكاء (جومى) المتصل دون سبب مقنع..
وصلنا (العين السخنة) حوالى الساعة الثانية عشر والنصف ظهرا.. وكنت قد حجزت فى فندق (بورتريه السخنة) بعد معاناة.. ففى البداية فشلت فى العثور على فندق بأسعار مناسبة.. وبعد استشارات وبحث على الانترنت وقع الاختيار على هذا الفندق.. يقع مكتب الحجوزات الخاص به فى الجيزة.. وعند ذهابى أول مرة للدفع كان المكتب مغلقا.. وفى المرة الثانية اتصل بى السائق معتذرا عن المجىء لأنه قد تم حجزه فى المرور لعدم ارتدائه للخوذة أثناء سيره بالموتوسيكل.. وفى المرة الثالثة والأخيرة دفع والدى عن طريق البنك ولكن لم نكن واثقين أن الدفع تم لحساب نفس الفندق.. لأن اسم صاحب الحساب لم يكن بنفس اسم الفندق.. ولكن حمدا لله كان قد تم الحجز بالفعل فى المكان السليم..
كان الفندق لا يمُت بصلة لفندق أربع نجوم كما كان مكتوباً على الانترنت.. فمنظره من الخارج - ومع الشفقة - تعطيه نجمتين فقط.. اما من الداخل فقد كان به الاحتياجات الكافية ليكون فندقاً بدائياً بمساحة معقولة..
لم تكتف (جومى) بالعزف المنفرد طوال الطريق.. فاستكملت الزن والبكاء حتى بعد جلوسنا على البحر.. حاول (أحمد وإنجى) البحث عن صيدلية داخل الفندق لشراء أى مُسكن لها خوفا من أن تكون مريضة ولكنهما لم يجدا.. فاقترح (أحمد) إعطاءها نصف كبسولة من دواء (إنجى) المُسكن لعل وعسى يكون فيه الشفاء.. ولكنى رفضت لأنى لا أحب اعطاء البنات أى دواء دون الرجوع لطبيب.. ولكن تم اقناعى منهم جميعا دون موافقة منى.. وتم بالفعل وضع نصف الكبسولة فى نصف كوب من الماء حتى يذوب ولكنه استقر فى قاع الكوب.. ولم يجدوا غير قلم (هاجر) لاستخدامه كملعقة لذوبان الكبسولة.. رفضت (جومى) فى البداية أن تشرب من هذا الدواء.. حاولت إقناع (أحمد) أن يشرب هو منه وإن (جومى) ستشفى تماما بعدها.. ولكنه لم يقتنع بالفكرة.. وبعد فترة طويلة تعبت (جومى) من كثرة البكاء فأخذت رشفة من الكوب فبكت أكثر من قبل.. فضحى (أحمد) بنفسه وقرر أن يتذوقه ولم يستطع بلعهُ وبصقهُ فى الحال.. وكان (أحمد) قد رأى لافتة بوجود عيادة فى الفندق.. وعندما ذهبنا للبحث وجدناها مغلقة للتجديدات.. وكانت أقرب صيدلية تبعد عن الفندق حوالى سبعة كيلو مترات.. طالت ساعات بكاء (جومى) حتى الساعة الثانية والنصف ظهرا.. فأخذتها وذهبنا بعيدا عنهم وحدنا، فهدأت أعصابها وبدأت تأكل وتشرب وتلعب وكأن شيئا لم يكن.. فى هذه الأثناء كانت (هدير وهيثم) قررا نزول حمام السباحة ... وبرغم برودة المياه إلا إن (هيثم) كان مُستمتعاً بالمياه وشجع (هدير) على النزول.. ولكن (هدير) كان رأيها فى المياه مختلفاً تماما فكانت ستتجمد من البرد..
وبعد هدوء عاصفة (جومى) وصلت الساعة إلى الثالثة ظهرا وكان وقت الغذاء.. الطعام كان باردا نوعا ما.. والسخيف إن -الجرسونات- كانوا ينقضون علينا ليأخذوا الأطباق دون سؤالنا فى كثير من الأحيان إذا كنا انتهينا من الأكل أم لا.. وايضا وضع أطباق ( الحلو ) قبل الانتهاء من الطعام.. برغم خلو الفندق من الناس إلا القليل منهم فلا سبب يدعوهم لاستعجالنا بهذا الشكل لترك المطعم..
بعدها نامت (جومى) أخيرا.. وبدأت اتنفس الصعداء لأبدأ الرحلة واستمتع قليلا قبل استيقاظها..
ذهب (هدير وهيثم) على البحر للتمشية على (اللسان).. واثناء كلامها مع (هيثم) سقطت الدبلة من يدها فى عرض البحر.. وحزنت (هدير) كثيرا على فقدانها للدبلة بهذه الطريقة..
أما (أحمد وإنجى) فعزما على الرحيل على الساعة الرابعة والنصف ظهرا.. نظرا لمرض والدة (إنجى) الشديد.. وبعد انصرافهم بحوالى ربع ساعة وصل (لنوران) خبر وفاة والدة احدى صديقاتها القدامى والتى كانت تحبها كثيرا.. وبالطبع انقلب يومها رأسا على عقب.. وطلبت منى الاتصال ب(أحمد) حتى تعود معه لتكون بجانب صديقتها..
بدأت الشمس فى المغيب .. وفى حوالى الخامسة والنصف استيقظت (جومى).. وقبل أن تبدأ فى الوصلة الثانية قررنا أن نرحل وأيضا لأن الطقس كان باردا.. وبدأنا رحلة العودة فى السادسة مساءا.. وبعد ساعة واحدة من السير على الطريق الصحراوى اصطدمت (زلطة) فى قاع السيارة أدت إلى وقوع الزيت فجأة وفى أقل من الثانية لم تتحرك السيارة مجددا.. فتوقفنا على جانب الطريق وعندما طلبت (هدير) للاستنجاد بها كانت قد وصلت إلى بوابات القاهرة وكان (هيثم) مُتعب من نزوله حمام السباحة فلم تستطع الرجوع لنا..
وكان يوجد داخل السيارة أنا و(جومى) و(هاجر) و(سلمى) شقيقتها و(كريم)..كنا نبعد عن القاهرة اربعين كيلو مترا وكان الطريق مظلما تماما.. فاتصل (كريم)مستنجدا بوالده الذى كان على طريق سفر عائدا من -العزبة- واتصل أيضا بزوج أخته ليأتيا له بزيت سريعا.. وطال انتظارنا ثلاث ساعات كاملة من السابعة وحتى العاشرة مساءا..
كانت فرصة عظيمة (لجومى) لتفتح فى البكاء ثلاث ساعات متصلة دون توقف.. كنت أحاول تهدئتها بأغانى الأطفال الموجودة على هاتفى المحمول.. ولكنى لم افعل ذلك كثيرا لأن هواتفنا جميعا كانت على وشك انتهاء الشحن.. خصوصا لأننا كنا نستخدم ضوء الهواتف فى إضاءة السيارة من الداخل.. فالمكان والظلام كانا مرعبين بحق.. وسيارات النقل التى كانت تمر من جانبنا فى منتهى السرعة كانت تقلقنى بشدة..
مر الوقت سريعا لأننا قضيناه فى التهريج على أنغام سيمفونية بكاء (جومى) التى لم تنقطع لحظة خلال الثلاث ساعات.. كان (كريم) متعب ويشعر بالنعاس وفى نفس الوقت كان متوترا جدا من هذا الموقف الذى لا يحسد عليه.. فوجوده ليلا فى وسط الصحراء فى الظلام الكالح وفى عُنقه ثالث بنات وطفلة أمر مؤسف بحق..
وأخيرا وصل والد (كريم) بسيارته وأخته وزوجها أيضا.. حاولوا اصلاح السيارة ولكنهم اكتشفوا ان الموتور قد احترق.. فوضعوا حبلا يوصل سيارة (كريم) بسيارة والده حتى يستطيعوا سحبها للوصول بها إلى القاهرة.. وركبنا نحن الثلاثة فى السيارة الأخرى غير مصدقين إننا متجهين اخيرا إلى منازلنا فقد كان حلما صعب المنال..
وصلت المنزل الساعة الحادية عشر مساءا غير مصدقة كمية الأحداث المُسلسلة التى حدثت لنا فى يوم واحد.. فقد كان يوما غريبا بكل المقاييس.. وإن دل فإنه يدل على إن العين فلقت الحجر..
حمدا لله على سلامتنا جميعا.. كلنا نحاول نسيان هذا اليوم العظيم مكتفين بالصور التى التقطناها والتى كانت الشىء الوحيد الممتع فى هذه الرحلة..
وإلى مغامرة جديدة
إلى اللقاء
رحاب المليــــــحي