كان نزوله مصر صدمة لى وفى نفس الوقت خوف وقلق من المجهول.. فمن كنت اتعامل معه لمدة أربع سنوات من خلال الكمبيوتر فقط.. أصبح فى لحظة أمام عينى لحما ودم.. وليس هذا فقط ولكن مطلوب منى إتخاذ قرار مصيرى فى حياتى.. قد يكون قرار صائب ولكن فيه إحتمال أيضا أن يكون خاطىء.. ماذا أفعل فلقد طلب أن يقابلنى؟ هل أوافق أم أرفض؟ سأوافق، فأنا أحب المغامرة.. أحب أن أخطو خطوة جديدة وغريبة بغض النظر عن نتائجها..
وجاء الميعاد.. هل سأعرفه عندما أقابله؟ فلم أراه غير صور.. ولكنى ركزت فى الصور كثيرا قبل خروجى لمقابلته.. حاولت أن أدقق فى تفاصيل وجهه ليسهل علي معرفته.. ولكنى مضطربة وينتابنى قلق غريب وكل ما أخطو خطوة أجد قداماى لا تحملنى فأرجع عشرة إلى الخلف.. حاول أصدقائى المقربين الإتصال بى لتخفيف صعوبة الموقف عنى..
ها أنا معه نجلس سويا.. أحاول الهروب من عيناه اللاتى تدقق في.. أحاول أن أشغل نفسى بمشاهدة الناس متجاهلة إندهاشه إننى شخص آخر غير من تكون معه على الهاتف.. فدائما ما كنت أضحك وأتكلم كثيرا معه.. ولكن الأن لا أجد ما أقوله ولا أستطيع التحرك بحرية فكل حركة وكلمة محسوبة علي..
كانت الساعة تمر علي كأنها سنة.. وإنتهت المقابلة كما بدأت.. باردة جافة من أى مشاعر.. الشىء الإيجابى الوحيد إن قلقى وخوفى بدأ يقل تدريجيا بعد أن تركنى وذهب..
سألنى والدى عن إحساسى بعد أول مقابلة.. رديت دون إهتمام إنى لم أشعر بشىء تجاهه وإنه سيظل بالنسبة لى صديق عزيز علي.. فهز والدى رأسه دون أن يتفوه بكلمة.. وقتها كانت والدتى فى الأراضى المقدسة لقضاء فريضة العُمرة.. فكنت أرسل لها على المحمول بكل جديد يحدث بخصوص هذا الموضوع.. كانت والدتى تتمناه زوجا لى.. برغم إنها لم تراه من قبل ولكنها تكلمت معه هاتفيا وبرغم إنه لم يكلمها بخصوصى.. ولكن للفطرة الموجودة داخل قلب كل أم، شعرت إنه هو الزوج المناسب لى وإنى سأشعر معه بالسعادة طوال حياتى.. ولكن لأنى دائما أنظر تحت قداماى فلم أكن أرى ما تراه والدتى نهائيا.. وكنت أتمنى إن قلبى يدق أولا قبل طلبى للزواج.. حتى أعيش إحساس كل فتاة بالسعادة والحب ولأفرح بكل لحظة تمر بى خلال فترة الخطوبة والإعداد للفرح..
أما بالنسبة له إعتقد إن أول مقابلة بيننا ستُغير فى الأمور أمور.. وتقلل من قلقى وخوفى تجاهه وتجاه المستقبل الذى أراه علامات إستفهام ليس إلا.. وعندما لم يحدث ذلك شعر بالإحباط يتخلله غصبا عنه.. وقرر أن ينهى هذا الموضوع وتستمر علاقتنا كصداقة فقط فهو لا يريد أن يخسرنى فى كل الأحوال.. ومن وجهة نظرى كنت أرى إن رد فعلى كان أمر طبيعى.. فبعد أربع سنوات إنترنت، طبيعى جدا أن تكون المقابلة الأولى فى منتهى الجفاء حتى لو حاول هو بطريقة أو أخرى تخفيف وقعها علي..
فى نفس التوقيت لم تكن والدته تعلم شيئا عما يدور بخاطره.. ولإنها كانت فرحة برؤيته بعد سبع سنوات غربة بعيدا عن حضنها.. فقد قررت أن تربطه بعروسة قبل سفره.. حتى تضمن من ناحية زيادة فترات وجوده فى القاهرة.. ومن ناحية أخرى حتى لا يتزوج من فتاة أجنبية ليست من بيئتهم ولا أخلاقهم..
ذهب لمقابلة العروسة وأهلها وهو يتمنى من داخله ألا يوافقه على طلباته.. ولكنهم وافقوا بل رحبوا به كزوج لإبنتهم.. وبدأت العروسة المنشودة ترسم أحلامها كأى فتاة تحلم بلحظة الإرتباط الرسمى.. حتى إذا لم يكن هذا الشخص فى حُسبانها من قبل ولا تكن له أى مشاعر ولكنها عاشت اللحظة..
وعندما عِلمت بالأمر جُننت، فمعنى ذلك إنه يريد الزواج من أجل الزواج ليس إعجابا أو حبا في كما يزعم.. وأمام ثورتى وصراخى فيه، لم يعطى لى أى إهتمام وقابل ثورتى بكل هدوء بل بكل برود..
وقتها إنقلب الأمر معى وعزمت أن أغير من معاملتى له وأعطي نفسى فرصة أخيرة.. وفعلا توالت مقابلتنا وإندهش كثيرا من تغيرى المفاجىء.. وكان متأكد إنى تغيرى بسبب إنى أرفض الهزيمة وأرفض وبشدة أن تؤخد حاجة منى غصبا عنى..
وعندما رجعت والدتى من العُمرة طلب مقابلتها.. وشعرت إن الموضوع خرج من يدى وبدأ فى إطار الجد.. إرتاحت والدتى لمقابلته ثم قابله والدى.. ولإنى فتاة والدى المدللة فقد شعرت إن بداخله الكثير والكثير من الأحاسيس المختلطه.. فهو كأى أب فرح بقدوم عريس لإبنته ولكنه فى نفس اللحظة لا يريد أن يؤخذ منه فتاته المدللة التى يعيش لإسعادها مهما كانت طلباتها كثيرا ما تفوق طاقته.. فأمام السعادة التى يراها تتراقص فى عيناها كأنها طفلة صغيرة عندما يلبى طلباتها.. يشعر بالرضا لإسعادها وينسى إن طلباتها لا تنتهى.. من المنطقى أن يفرح إنه قد حان الوقت الذى يأتى المأسوف علي عمره يحمل على عاتقه طلبات إبنته التى ليس لها أول من أخر.. وبموافقته على طلب الزواج ينتهى دور الأب ويبدأ دور الحماه.. ولكن والدى كان تفكيره مختلف تماما.. كل تفكيره وحزنه منصبان على إنه قد حان الوقت الذى يأتى شخص غريب لخطفى منه ليس فقط بزواجه منى بل وسفرى معه أيضا..
جاءت اللحظة الحاسمة التى تتمناها كل بنت.. يوم الخطوبة.. كنت أشعر إنى فتاة آخرى تتم خطبتها.. لست أنا من تنهال عليها كلمات المباركة والزغاريط.. لست أنا من ترتدى ثوب الخطوبة وتجلس بجانب خطيبها لكى يأتى الناس لتقبيلها وإلتقاط بعض الصور معها..
ما هذا الذى بيدى؟ دبلة الخطوبة التى تسعد كل فتاة بإرتدائها ومحفور عليها إسمه هو.. وتتمنى اليوم التى تنتقل الدبلة إلى اليسار.. هل هذة الدبلة الصغيرة ستكون مصدر سعادتى؟ أم ستكون بداية الخيط الذى يلف حول رقبتى؟ هل سأظل كالفراشة التى لم يستطيع أحد أن يقيضها؟ أم سيقع على عاتقى الكثير من المسئوليات التى لا تنتهى؟ هل فعلا سيكون نفس الشخصية التى طالما تكلمت معه خلال الأربع سنوات الماضين؟ أم إنه كأى رجل سيتغير بعد الزواج إلى الأسوء؟؟ كل ذلك كان يدور بخاطرى وقتها.. الكل يبارك لى.. كلمات كثيرة مرت فى أذنى ولكنى لم أسمع منها شيئا.. فقد كنت أرسم الإبتسامة على وجهى طوال الوقت ولكنى كنت مثل المُغيبة.. كنت جسد بلا روح.. لا أعرف إذا كنت سعيدة أم نادمة.. لا أعرف ما هو المجهول الذى ينتظرنى.. لا أعرف هل حياتى قبل الخطوبة كانت أفضل أم بعدها.. فكان علي أن أخوض التجربة.. فهل أنجح؟؟ هل فعلا سيكون يوم ولادتى هو يوم خطبتى؟؟ أم ..... !!!!!!!
****************************
إنتهيت من الجامعة وقررت أن أبدأ حياتي من جديد وأن أملأ حياتي بقدر ما أستطيع وأشغل كل الوقت الذي أملكه حتى لا أعطي لنفسي الفرصة في التفكير في ما مضى.. فقررت أن أبدأ دراسات في الجامعة الأمريكية حتى أستفيد من الوقت الفائض وكنت قد بدأت عملي في مجلة منذ أن كنت في الجامعة. خلال تلك الفترة تعرفت على الكثير من الأشخاص والتي كنت أعرفهم عن طريق المجلة أو عن طريق الجامعة الأمريكية.
كنت قد بدأت أنسى كل ما مضى وإستعديت أن أواجه كل ما هو جديد في حياتي.. وظللت في انتظار من هو يستحقني ويحبني ويأخذني بعيداً عن العالم.. وللمرة الثانية قابلته ودق قلبي له.
بدأ كل شيء عندما بدأ هو بإهتمامه الشديد لي والمعاملة الخاصة.. لم أعطي له إهتمام ولم أعتبر هذا شيئاً.. فلقد كان يصغرني في السن وكنت أتعامل معه كأي فرد آخر.. وكنت كلما أتساءل عن تلك المعاملة كنت أقول في نفسي لعله يعتبرني شيء مهم بالنسبة له لإنه يعمل معي وليس أكثر.
حتى جاء اليوم وصارحني بحبه.. وكانت مفاجأة.. فكم تمنيت تلك الكلمة الجميلة ولكن لم أتمناها منه.. لم أتمناها ممن هو أصغر مني بعامين.. لم أتمناها ممن قد يأتي لي بمشاكل كثيرة وتنتهي قصتي بالفشل والجرح مرة أخرى.. وواجهته بالمشكلة التي قد يكون لا يراها وهى فرق السن.. وإننا سنواجه الكثير من المصاعب ولن تنجح تلك القصة وإنني لست على إستعداد ببداية أي شيء أعرف إنه سينتهي بالفشل وخصوصاً من ناحيته.. ولكن كان رده إنه على إستعداد أن يتحدى كل من يقف أمامنا.. حاولت إقناعه بإنه من المستحيل وإنني لست من النوع الذي قد يدخل في علاقات عابرة ولا أستطيع أن أفعل شيئاً دون أن يعرف عنه أهلي.. وكان رده إنه على إستعداد أن يتحمل كل المصاعب وطلب مني أن أنتظر اللحظة المناسبة لكي أقول لأهلي.. لا أعرف لماذا صدقته.. قد يكون إنتظاري لسماع تلك الكلمة.. قد يكون لإشتياقي للحب.. ولكننا إتفقنا أن نظل أصدقاء ليس أكثر حتى يحين الوقت المناسب.
وبالفعل فعلنا ما اتفقنا عليه.. لم نتحدث في أي شيء من بعدها.. مجرد عمل وصداقة فقط لا غير ولكن بداخل كل واحد منا كنا نعرف مشاعر كل واحد تجاه الآخر.. كان كلما يأتي إلى مكان الذى أجلس فيه أشعر بالسعادة.. كنت أرى في عينيه حب تمنيته طوال عمري.. تلك النظرة فقط كانت كفيلة بأن تنسيني أي مصاعب قد نواجهها.. تلك النظرة فقط كانت كفيلة بأن تشعرني بالطمأنينة والسكينة.. وتلك الابتسامة التي كانت تعبر عما بداخله تجاهي.. كان من وقت لآخر يتصل بي ليؤكد لي إنه مازال على العهد وإنه مازال يريدني.. وكنت أرد بنفس الاجابة عندما يحين الوقت المناسب لنا معاً سنتمكن من أن نكون سوياً.
وبدأت أشعر بالسعادة مرة أخرى وبأن حياتي قد عادت من جديد.. فالسعادة لى هى الحب.. وكم إنتظرته.. قد يكون هذا هو سبب نسياني لما قد يحدث بعد ذلك..
لم يحدث بيننا أي أحداث أتحدث عنها لأنه لم يكن هناك أي علاقة.. فقط شعور جميل بالحب تجاه الاخر.. أو هكذا إعتقدت..
جاء اليوم الذي قررنا فيه مصارحة أهلينا مع وعد منه بالمحاولة والتمسك بي ووعد مني بالتمسك به.. وبالفعل صارحت أهلي بحبي له.. كانت صدمة بالنسبة لهم.. فكيف لي أن أختار من هو أصغر مني سناً.. وإنه ليس مناسب لي بالمرة.. وظللنا في مناقشات ولكن ليس لوقت طويل وتوقفت على إني سأنتظره حتى ينتهي من دراسته، قد يكون هو نصيبي. وفرحت جداً بهذا الإتفاق.. فهو ليس رفضاً ولا موافقة بل هو رأي محايد جداً.
وذهبت لأبشره بسعادتي.. ولكنه قابلني بالصدمة برفض أهله وإنه لن يستطيع أن يتحداهم.. ذكرته بالكلام الكبير الذي قاله لي بإنه سيتمسك بي مهما حدث وإنه سيحارب كل شيء من أجلي.. ولكني لم أجد منه إجابة إلا كل شيء نصيب وإننا كنا نعلم بفشل العلاقة منذ البداية.
فجأة لم أشعر بمن حولي.. لم أشعر بنفسي.. لم أشعر إلا بدموعي المنهمرة للمرة الثانية.. هل هو من يقول لي هذا الكلام الآن؟ ألم أقل أنا له هذا الكلام وكان هو يحاول يقنعنى بعكسه حتى أوافق؟
شعرت في البداية كم كان مظلوماً وإنه بالفعل لا يستطيع أن يفعل شيئاً وظللت لفترة طويلة أشعر بالحزن من أجله وأدعو له أن يوفقه الله في حياته.. وكم شعرت بالأسف من أجله.. وانقطعت إتصالاتنا.. إلى أن وجدته يوما يحدثني في الهاتف ويطلب مني أن أسامحه فلقد ظلمني وكذب علي وشعر بألامى.. فقد مر بما مررت به ويطلب مني أن أسامحه.
عندما سمعت منه هذا الكلام ظللت لبرهة لا أستطيع الكلام.. هل كنت مخدوعة طوال هذه الفترة؟ هل عشت في سعادة مزيفة؟ وما معنى النظرات التي كنت أراها في عينيه؟ ما معني إنه كان حاول معي أكثر من مرة؟ ما معنى أن أذهب وأقول لأهلي؟ ماذا أفعل ؟ هل أنا المخطئة؟ هل لإني صدقت كلام لم يكن يجب علي أن أصدقه؟ لماذا فعل بي هذا؟ لماذا أقنعني بما هو ليس صحيح؟ لماذا أنا؟
في المرة الأولى أنا من اخترت أن أحب أولاً ولم أقابل هذا الحب بشيء يسعدني.. ولكنني في هذه المرة لم أختار.. بل جاء هو لي.. ومع ذلك للمرة الثانية جرح قلبي..
لفترة طويلة شعرت بالضعف الشديد.. لم أعرف ماذا أفعل.. وللأسف ظللت لفترة طويلة أشعر بالجرح مجددا.. ولكن هذه المرة ممزوج بخداع وكذب.. وبعد فترة قررت ألا أجعل هذا الجرح يؤثر أكثر من هذا على حياتي.. لإنني لن أنتظر رجوعه مرة أخرى كما وعدني.. وقررت أن أبدأ حياتي من جديد.. وأبحث مرة أخرى عن الإنسان الذي يعطيني السعادة ولكني بدأتها بقرارات جديدة.. منها ألا أقع في الحب إلا أن أتأكد تماماً من حب الطرف الآخر لي.. وهذا قد لا يتحقق إلا عن طريق أن أنتظر من يأتي ليدق باب بيتنا ليعلن عن رغبته في الزواج مني..
هل سيأتي؟ أم علي أن أنتظر كثيراً؟!
رحاب المليحي
هاجر عماد
هتلاقونا فى العدد الثانى من مجلة شخبطة