كم منا لا يشعر بالأمان فى عقر داره؟ كم منا يجد نفسه تائها وسط الزحام.. ولا يعرف إلى أين هو ذاهب.. ولكنه يستمر فى السير وسط الزحام.. لعله يجد ما هو أفضل فى نهاية الطريق.. ولكن هل للطريق من نهاية؟!!
إذا نظرت حولك ووجدت نفسك وحيدا برغم وجود كل من يحبك حولك.. إذا لم تجد ولا وجها مألوفا إليك.. إذا لم تجد من يمسح دموعك.. إذا لم تجد حضنا دافئا تهرب إليه من نفسك.. إذا لم تجد مكانا محببا إلى قلبك تذهب إليه.. إذا لم تجد صديقا مخلصا يسمعك ويحتويك فى شدتك.. إذا وجدت نفسك بعيدا كل البعد عن الله سبحانه وتعالى..
فتيقن انك غريب حتى عن نفسك ولا ترى بر الأمان حتى إذا كان امام عينيك.. فمن شدة الغمامة السوداء التى تحجب عنك الضوء لا ترى غير كل ما هو أسود..
حاول أن تتصالح مع نفسك.. حاول أن تبحث عن نفسك بداخلك.. حاول أن ترى الدنيا بعين يملؤها التفاؤل.. حاول أن تلجأ إلى الله فليس لك ملجأ إلا إليه.. حاول أن تبحث عن شىء يسعدك وافعله لعل ذلك يخرجك من غربتك..
وحاول أن تخرج من غربتك سالما بأقل الخسائر.. حتى يستقبلك أحباؤك بكل حب وحنين وشوق إليك.. مهللين بابتسامة يملؤها الحب "حمدا لله على السلامة"
أما إذا تكلمنا عن غربة البلد.. فهل الغربة نقمة أم نعمة؟؟
الإنسان بطبعه لا يرضى بحاله ولا يشكر ربه على نعمه عليه.. الكل يشكو، الكل يتذمر، الكل معترض على حياته، الكل لا يكتفى بما فى يده وينظر دائما لما فى يد غيره..
والكثير فاض به الكيل من العمل فى بلده ويحلم بالسفر إلى الخارج طامعا فى منصب أفضل، مال أكثر، ووضع اجتماعى أرقى.. وكأن هذه البلد تنتظر (صاحبنا) هذا بفارغ الصبر لتأخذه بين ذراعيها وتجلسه على ريش نعام وتطعمه بملعقة من ذهب.. وحتى إذا وصل به الحال أن يغسل صحون فإنه لن يبالى مادام فى أى بلد أخرى غير بلده..
لا أحد يصدق إن الغربة ليست الجنة التى يحلمون بها.. وليست الحرية والانطلاق.. وليست النقود التى تنهال عليك من كل جانب كما يظن الكثير.. وليست هى الحياة التى يجب أن تعيشها قبل وفاتك..
ولكن هى الشقاء بعينه.. هى الحفر فى الصخر.. هى أن تفقد الكثير من عاداتك وتقاليدك.. هى أن تعمل عند غير المسلمين حتى اليهود وأنت سعيد مهما ظلمك فهو ولى نعمتك.. هى أن تختار طريقا من اثنين.. يا إما أن تجرى وراء ملذات وشهوات الحياة.. يا إما أن تشد أزرك بالدين وتقوى إيمانك بقربك من الله.. هى أن تفقد الاحساس بالأمان والاستقرار.. هى فى بعض الأحيان أن تموت دون أن يشعر بك أحد.. هى أن تكون أو لا تكون.. هى ... هى ... هى
ولكـــــن للأسف دائما لا نسمع النصيحة ولا نرى غير ما تنطق به ألسنتنا فقط.. لأننا دائما نشعر أننا أذكى مخلوقات الأرض.. وأن من ينصحنا هو ليس إلا شخص يريد ( تكسير مجادفنا ) وإحباطنا..
طبيعى أن من يديه فى المياه.......... وطبيعى أن الإنسان منا لا يشعر بالنعمة التى هو فيها إلا عندما يرى النقمة.. وطبيعى أننا يجب أن نجرب ونضع أنفسنا فى النار حتى نعرف أن الله حق..
وايضا من الطبيعى أن الغربة بها مميزات كثيرة.. ولكن حتى تثبت ذاتك عليك فعل الكثير والكثير لترى فائدة فى غربتك.. ومهما كانت المساوئ التى عليها بلادنا ومهما كانت المميزات التى تجدها فى الغربة..
فى النهاية عليك أن تختار.. فليست بلادنا كلها مساوئ وليست بلاد الغربة كلها مميزات..
رحاب المليـــــــحى