"كانت قريبة من ربها حتى لحظات الغروب.. وفى حياتها أضاءت بقلبها كل القلوب"
(محمد المليـــــــــحى)
كانت محبوبة اوى من مختلف الأعمار والطبقات.. كانت شقية وتحب تناكف فى الناس.. كانت وهى صغيرة جدى يقول لها بتعرفى تنطقى الحجر.. كان الكلام اللى مش بيجى على مزاجها تضرب به عرض الحائط ولا كأنها سمعاه حتى لو كان من مديرها.. كانت تقول لى (لما نكون فى اجتماع.. وأول ما أطلع المراية واقعد أبص فيها.. المدير يقول لى واضح إن الكلام مش جى على هواكى).. كانت دائما تنصحنى إنى لو عايزة أهزق حد أهزقه وأنا مبتسمه وبهدوء.. علشان محدش يمسك عليا إنى بهزقه.. كانوا أصحابى مغرمين بها جدا..
وأنا كنت بحبها أوى.. كانت أغلى ما عندى فى الدنيا.. كنت بحب أوى اسمع حكايتها عن نفسها لما كانت فى سنى.. ولأن طول عمرى كان نفسى يكون عندى أخت.. فهى كانت أختى الكبيرة.. برغم إنها أكبر منى بعشرات السنين.. ولكن عمرى ما حسيت بفرق السن بنا.. كانت دائما بتنزل لتفكيرى وبتفهمنى على طول.. علشان كده نادرا ما اختلفنا..
وعلشان هى متجوزتش فكنت أنا ورائف أقرب لها من ولادها اللى هى مخلفتهومش.. كانت مدلعانى أنا وأخويا على الأخر.. وكانت ماما كتير بتضايق من الموضوع ده.. وتحس إننا مش هنعرف نتحمل مسئولية من دلعها الزيادة لنا..
وبرغم إن كان فى عيب خلقى فى رجلها.. إلا إنها كانت تحب الشغل والسفر والخروج.. بتحب تعيش حياتها راضية بنصيبها..
كانت تحب إنى أنا اللى أراعيها وأكون معاها فى كل حاجة بتعملها.. وبرغم إننا كنا ساكنين فى نفس العمارة ولكن لو غيبت عنها يومين.. كانت تكلمنى وتقول لى (فينك يا قردة مش بنشوفك ليه)؟؟
كانت بتحب القطط أوى... كانوا بالنسبة لها زى أولادها.. لازم يكون فيه قطه فى البيت.. كانت بتحب القطط البلدى عن الشيرازى علشان دمهم أخف بكتير..
فى مرة كانت فى لندن و(بوسى) القطه بتاعتها كانت حامل.. مولدتش غير يوم رجوعها من السفر.. وكلمتنى بعد نص الليل علشان انزل احضر الولادة.. القطة محستش بالأمان غير لما صاحبتها رجعت من السفر..
كان يوم رجوعها من السفر بيكون سهرة ليا معاها.. علشان احكيلها على كل حاجة حصلت لى فى غيابها.. ولكن الأهم علشان افضى شُناطها وأطلع بنصيب الأسد من الهدايا اللى هى جايباها.. وكانت عارفة إنها لو مجبتليش شيكولاتة كأنها مجبتش حاجة خالص.. قالت لى مرة: ( أنا عارفة انى لو جبتلك لندن كلها.. ومجبتلكيش شيكولاتة هترجعينى تانى)
أنا طلعه زيها عنيدة واللى فى دماغى بعمله مهما حصل.. بالإضافة إن الطريقة تفرق معايا أوى.. يعنى ماما لما كانت تضايق منى تقعد تزعق وتتخانق وتحرمنى من حاجات بحبها.. وأنا فى المقابل ممكن جدا أعند علشان الطريقة مش عجبانى.. فكانت ماما تشتكى لها منى علشان عارفة إنى بسمع كلاهما.. فكانت هى بكل هدوء تقعد تفهمنى غلطى وتضحك معايا وتحكيلى على مواقف شبيها حصلت معاها.. وكانت تقولى (بكرة تعرفى ان كلامى صح ولو كنت عايشة تقولى الله يمسيها بالخير ولو مايتة تترحمى عليا).. ولأنى بحب اسلوبها كنت بقتنع بكلامها بسرعة.. لأنها عارفة إنى مبجيش بلوى الدراع..
أول عُمرة عملتها من تمن سنين كنت معاها.. وكانت من أحلى العُمرات بالنسبة لى ولها.. ولكن تانى عُمرة روحتها هى مجتش معايا.. وأنا فى الطيارة قلت لماما إنى حاسة إن في حد هيموت.. وكان قلبى مقبوض ومكنتش مستريحة.. وبعد ما رجعنا من السعودية عرفنا إنها تعبانة.. بس طبعا مربطناش خالص إحساسى بعياها.. كانت يوم عن يوم بتتعب اكتر.. قبل وفاتها بأربعين يوم حلمت بأموات وكان منهم (دايانا).. حلمت إنهم أخدوها معاهم.. وكانت (بوسى) قاعدة على رجلها.. فسألتها: (هو أنا هموت يا بوسى؟) فوديت القطة وشها الناحية التانية.. ولما ألحت عليها فى السؤال نزلت من على رجلها وسابتها ومشيت..
أول مرة ركبت فيها عربية اسعاف كان معاها.. أول مرة بيت فيها فى مستشفى كان معاها.. لما كانت جدتى تقعد تعيط.. كانت تقولها (مالك بتعيطى ليه؟ أنا لسه ماموتش).. مكنش حد عارف عندها إيه غير خالى.. وخبى علينا كلنا علشان منحسسهاش بحاجة.. .. بس هى كانت حاسة وكانت بتقول (أنا مش غبية ولا عيلة صغيرة).. ولكن لأننا مكناش فاهمين حاجة كنا بنحاول نطمنها..
كنا على طول جانبها.. وأنا كنت على قد ما بقدر بحاول أكون معاها.. فى آخر أيامها مكنتش بتقدر تروح الحمام فكنت بساعدها وهى فى أودتها علشان متتعبش نفسها..
عرفنا قبل وفاتها بفترة بسيطة إن عندها سرطان فى الرئة.. فضلت أعيط طول اليوم.. بس برضه مجاش فى دماغى خالص إنها ممكن تموت.. لما بدأوا معاها العلاج الكيماوى ماما نفسيتها تعبت وكانت رافضاه بشده.. كانت عايزاها متتعزبش قبل وفاتها.. بس برضه مكناش عايزين نسيب أى أمل فى شفاها علشان منندمش بعد كده..
كنت بعمل موضوع للمجلة وحكيت لى قصتها علشان أكتبها.. فضلت اسمع لها كويس اوى.. وأول ما خلصت طلعت كتبت القصة ونزلت لها.. قالت لى ( لو كنتى بتسجلى كلامى مكنتيش كتبتيه بالدقة دى)
يوم وفاتها عديت عليها كانت تعبانة اوى.. ومكنتش عايزة حد يقعد جانبها حتى على السرير علشان ميحركوش.. خالى قاس لها الضغط ملقاش فيه حاجة طلعت له.. كان مستغرب بس طمنها انها كويسه.. (بوسى) كانت عماله تلف وتدور حولين السرير بتاعها وعماله تشمشم فى الجو.. عرفنا بعدها ان القطط بتشم ريحة الموت..
أنا مكنتش قادرة اشوفها فى الحالة دى وكنت ماسكة نفسى قدامها علشان معيطش.. قلت لها إنى رايحة المجلة وسألتها إذا كانت عايزة حاجة.. فبصت لى وقالت لى: (لأ يا حبيبتى مش عايزة حاجة).. بصيت لى للمرة الأخيرة.. لحد دلوقتى مش قادرة انسى بصتها لى وكأنها امبارح.. كانت بتودعنى وكانت عارفة إنها مش هتشوفنى تانى.. بس وقتها مفهمتش معنى بصيتها لى.. سيبتها ونزلت روحت المجلة وأنا منهارة تماما.. كنت صعبانة على كل أصحابى.. كانوا عاملين يوسونى ويطمنونى عليها.. ألحوا عليا بدل المرة مية إنى أكلمها علشان أطمن عليها.. بس كان فى حاجة بتمنعنى إنى اتصل..
يومها كانت اتنشرت المقالة اللى فيها قصتها ومكتوب اسمها تحتها.. رجعت البيت بحاول ادارى حزنى وطلع لها وأنا مبسوطة علشان أوريها اسمها فى المجلة..
وأنا فى الشارع وتحت بلكونة أودتها كان فى قرأن بيتقرى وبرغم إنه كان واضح جدا بس أنا مسمعتوش.. يمكن عقلى الباطن رفض إنه يسمعه.. لقيت قرايبى نزلين يجروا عليا.. استغربت بس طنشت..
(أتو ماتت يا رحاب).. سمعت الكلمة من هنا.. كل حاجة فى إيدى وقعت.. وبرغم إنى بكره الصويت والصوت العالى فى الموت.. إلا إنى مقدرتش اتمالك نفسى.. عيطت، صرخت، انهرت مصدقتش إن (أتو) ممكن تسيبنى لوحدى وتموت.. خدونى على بيتى الأول علشان أهدى ومنزلش على أهلى وأنا فى حالتى دى.. واقعدوا يهدونى ويقولوا لى كده احسن لها هى كانت بتتعذب..
أول ما نزلت وجدتى شفتنى.. قالت لى (خالتك ماتت يا رحاب.. خالتك سبتنا وماتت).. جريت على ماما وأنا مش شايفة قدامى من كتر الدموع.. لقيتها فى السرير مش قادرة تتحرك.. قالت لى (خالتك كانت راضية عنك لحد ما ماتت.. قومى صلى ركعتين لله).. قلت لها (لأ مش هصلى).. قالت لى (استهدى بالله وقومى صلى)..
بابا معيطتش على أبوه وأمه لما ماتوا لكن عيط وبحرقه على خالتى.. كانت لكل حد فينا بتعنى شىء كبير أوى..
أول واحدة خالتى جاتلها فى أحلامها كانت أنا.. ولحد دلوقتى ساعات بتجيلى.. ولما بتوحشنى أوى بطلب من ربنا إنى أحلم بها.. دائما بحلم بها وهى فى كامل صحتها..
لازم كل سنة انزل فيها مصر اروح ازور قبرها واترحم عليها وأقولها: وحشتنيى يا أتو
إلى من لا تُنسى.. إلى من ستظل بقلبى حتى الممات..
الله يرحمك ويرحم موتى المسلمين أجمعين
رحاب المليحى